وفي هذا السياق، استضافت قناة هلا وائل عبّادي، مدير قسم قطري في نقابة العمال العامة "الهستدروت"، وهو من بلدة كفرقرع، للحديث عن واقع العمال اليوم.
مكانة العامل في المجتمع وتأثير غيابه
يقول عبّادي في مستهل حديثه لموقع بانيت وقناة هلا حول مكانة العامل خلال السنوات الاخيرة: "حتى نهاية الثمانينيات أو بداية التسعينيات، كان عيد العمال يوم عطلة رسمية في جميع القطاعات العامة وفروع العمل، لكن مع بداية التسعينيات أُزيل هذا الاعتراف، وهو ما أعتبره خطأً فادحًا ويجب تصحيحه. للعمال قيمة مركزية في المجتمع. وقد أثبتت أحداث السابع من أكتوبر أن العامل هو العمود الفقري لكل قطاع عمل".
ومضى قائلاً: "العمل يشبه مثلثًا له ثلاثة أضلاع: العامل، المشغل، والدولة. بعد السابع من أكتوبر، برز نقص حاد في عدد العمال في جميع القطاعات. فالاقتصاد الإسرائيلي كان يعتمد بشكل كبير على العمال الفلسطينيين، خاصة في قطاع البناء. بعد منع هؤلاء العمال من الدخول إلى إسرائيل، شهدت قطاعات البناء، والصناعة، والتجارة، والخدمات تراجعًا واضحًا، مما كشف أن العامل هو العنصر الأهم في تشغيل هذه المجالات. وقد حاولت الدولة تعويض النقص من خلال استقدام عمال أجانب، ولكن وتيرة وصولهم كانت بطيئة وعددهم قليل جدًا. فبينما يتجاوز النقص 200 ألف عامل، لم يصل إلى إسرائيل خلال السنة والنصف الأخيرة سوى حوالي 25 ألف عامل فقط، أي ما لا يزيد عن 10% من حجم النقص الحقيقي."
صعوبات العمال الأجانب وعدم تأقلمهم
وأوضح وائل عبادي "أن العمال الأجانب، على الأقل في قطاع البناء الذي أُشرف عليه بشكل مباشر، يواجهون صعوبة في التأقلم مع بيئة العمل في إسرائيل. أنا مطّلع على جميع التفاصيل من خلال تواصلي المستمر مع اتحاد المقاولين وشركات القوى العاملة التي تستقدم هؤلاء العمال. الواقع يشير إلى أن العمال الأجانب يحتاجون وقتًا طويلًا للتأقلم مع الظروف المناخية وأساليب العمل المحلية. كثير منهم يبدأون في قطاع البناء، لكنهم لا يستطيعون الاستمرار ويتحوّلون إلى قطاعات أخرى. الدراسات تُظهر أن نحو 700 مقاول وشركة مقاولات أعلنت إفلاسها العام الماضي. وإذا استمرت الأمور على هذا النحو خلال هذا العام، ووفقًا للتوقعات، فإن أكثر من ألف شركة مقاولات قد تواجه الإفلاس إذا لم يتم التوصل إلى حل جذري. هذه المعطيات موثقة في سجلات اتحاد المقاولين، الذين يطالبون بدورهم بإعادة العمال الفلسطينيين، استنادًا إلى توصيات الجهات الأمنية والمخابراتية. إلا أن العائق الأساسي أمام ذلك هو معارضة سياسية".
الصعوبات والتحديات التي يواجهها العمال
وأشار وائل عبّادي الى أنه "منذ السابع من أكتوبر وحتى اليوم، أي خلال عام ونصف تقريبًا، يشهد سوق العمل حالة من التذبذب وعدم الاستقرار. وهذا ينعكس بشكل مباشر على وضعية العامل، حيث أصبحت الوظيفة غير مضمونة، ولا يوجد أمان وظيفي حقيقي. فقد يُفصل العامل من عمله نتيجة لتقليصات في الميزانيات أو بسبب تغييرات في هيكلة مكان العمل، ما يُشكّل أحد أكبر التحديات التي يواجهها العمال اليوم. إضافة إلى ذلك، تم إغلاق العديد من أماكن العمل، خاصة في قطاعات مثل المطاعم والسياحة، ما أدى إلى فقدان عدد كبير من العمال لمصدر رزقهم. من هنا، أُشدد على أهمية انضمام كل عامل إلى نقابة عمالية، حيث يمكنها أن تدعمه وتدافع عن حقوقه في حال تعرضه لأي انتهاك أو فصل تعسفي. فالنقابات تُعد من أهم الجهات التي تُمثّل وتُناصر العامل في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة".
ومضى قائلاً: " هناك العديد من التحديات التي قد يواجهها العامل في بيئة العمل، ولذلك من الضروري أن يكون كل عامل على دراية تامة بشروط وظروف عمله. أنصح كل عامل بقراءة عقد العمل جيدًا وفهم بنوده، فالمشغّل مُلزم قانونيًا بتوقيع اتفاقية عمل مع كل عامل، كما أنه مُلزم بتقديم قسيمة راتب شهرية توضح تفاصيل الأجر والاستحقاقات. من المهم أن ندرك أن العامل غالبًا ما يكون الحلقة الأضعف في علاقته مع المشغّل، ولذلك فإن وجود جهة تحميه وتدافع عن حقوقه أمر بالغ الأهمية.
في هذا السياق، تلعب نقابات العمال دورًا مركزيًا في توفير الدعم القانوني والمرافقة في حال حدوث انتهاكات. كذلك، توفر وزارة الاقتصاد قسمًا خاصًا لتلقي الشكاوى والدعاوى المتعلقة بالإخلال بحقوق العمال، إلى جانب خدمات مكتب العمل ووزارة العمل، حيث توجد أقسام مختصة بالتحقيق في شكاوى العمال والدفاع عنهم. كل هذه المعلومات والوسائل متاحة أيضًا عبر المنصات الرقمية، لذلك من المهم أن يكون العامل مطّلعًا ومواكبًا لما يخص حقوقه وواجباته في مكان العمل".
"حوادث العمل في تصاعد"
وأكد عبّادي أن حوادث العمل تُعد آفة كبرى يدفع ثمنها العديد من العمال، وللأسف الشديد، لا تزال تحصد الأرواح حتى يومنا هذا، وقال لموقع بانيت وقناة هلا: "منذ عام 2018 ونحن في نقابة العمال نبذل كل الجهود الممكنة لتقليل عدد الحوادث، لكن للأسف لم ننجح حتى الآن. في البداية، كان هناك من يعتقد أن العامل هو السبب، وتحديدًا العمال الفلسطينيين بحجة أنهم لا يلتزمون بإجراءات الوقاية والأمان. لكن خلال السنة والنصف الأخيرة، لم يكن هناك عمّال فلسطينيون، بل عمّال أجانب، ومع ذلك لم تنخفض نسبة الحوادث، بل ارتفعت قليلًا، وهذا يُثبت أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في العامل نفسه، بل في مؤسسات الدولة التي لا تقوم بواجبها. في عام 2018 أعلنا عن نزاع عمل وإضراب، وتوصّلنا إلى اتفاق مع وزارة المالية تضمّن عدة بنود هدفها تقليص حوادث العمل، ولكن للأسف، الوزارات المختلفة لم تنفذ الاتفاقية وتم الإخلال بها".
واضاف: "برأيي، لا يمكن الحد من هذه الحوادث دون أن تتحمّل الدولة، والحكومة، وجميع الوزارات المعنية، المسؤولية الكاملة وتقوم بدورها بشكل فعلي، ولكن هذا لا يحدث حتى الآن".
" طرأ تغيّر في النظرة الى العامل"
وحول ما إذا طرأ تغيّر على مكانة العمال، قال عبّادي لموقع بانيت وقناة هلا: "لقد شهدنا بوضوح أهمية العامل، وقد طرأ تغيّر في النظرة إليه، حيث أصبح يُنظر إليه على أنه عنصر أساسي ومركزي، فمكان العمل مرتبط ارتباطًا مباشرًا بالعامل، الذي يُعد العمود الفقري لكل قطاع. في السابق، كان هناك عمال يتقاضون أجورًا منخفضة، أما اليوم، ومع النقص الحاد في القوى العاملة، بدأ هؤلاء العمال يطالبون بتحسين أجورهم، وأرباب العمل باتوا مستعدّين لدفع ما يطلبه العامل من أجر. لكن المشكلة تكمن في أن العمّال الإسرائيليين لا يرغبون بالعمل في هذه الفروع، بينما يتجه معظم شبابنا نحو التعليم الأكاديمي".