logo

‘صداقة بالوراثة ‘ - بقلم: المحامي عماد زايد

بقلم: المحامي عماد زايد
16-05-2025 19:44:53 اخر تحديث: 17-05-2025 05:05:45

في زمن كثرت فيه الحواجز، واشتدت فيه النزاعات، تأتينا بعض القصص كأنها رسائل سماوية تذكرنا بجوهر الإنسان، وسمو العلاقات، وصفاء القلوب.

صورة للتوضيح فقط - shutterstock - Golubovy

قصة اليوم ليست من نسج الخيال، بل من نسيج الحياة… أبطالها شاب مسلم يدعى عماد زايد، وصديقه المسيحي نجيب زايد، والقدر الذي شاء أن يحمل كلاهما الاسم نفسه، لا من باب المصادفة فحسب، بل من باب الحكمة.

تعرف عماد ونجيب خلال سنوات الدراسة الجامعية، وارتبطا بصداقة وطيدة. لم يكن الدين عائقًا، بل كان الاختلاف بينهما مصدر ثراء وتفاهم. تعاونا، تشاركا النجاح والتحديات، وتعلّما من بعضهما أن الاحترام الصادق لا يحتاج إلى تطابق المعتقدات، بل إلى صدق النية وصفاء القلب.

مرت السنوات، وتخرّج الصديقان، لكن صداقتهما لم تتخرّج من حياتهما، بل بقيت حاضرة بقوة.

وذات مساء من أمسيات الصيف، أقام والد عماد رحمه الله وليمة بمناسبة نجاح ابنه، دعا إليها الأصدقاء المقربين. لبّى نجيب الدعوة، وجلس بالمصادفة إلى جانب رجل مسنّ طيّب الكلام دافئ الحضور… كان والد عماد.

دار بينهما حديث ودّي، حتى سأل الرجل نجيب:

– اسمك نجيب زايد؟

– نعم.

– هل كان جدك يملك دكانًا في سوق عكا القديمة؟

– نعم، كيف تعرف؟

هنا ابتسم الرجل، وبدت في عينيه لمعة حنين قائلاً:

– أهلاً بابن عمي.

دهش نجيب وسأله بتعجب:

– ابن عمك؟ ما الذي تعنيه؟

فأجابه بابتسامةٍ عميقة:

– قبل أكثر من خمسين عامًا، كان والدي يتمشى في سوق عكا القديمة، فدخل إلى دكان صغير يملكه جدك. تعارفا، وحين عرفا أنهما يحملان نفس اسم العائلة، تعاهدا على المحبة والتآخي، رغم اختلاف الديانة. ومن يومها، لم ينقطع التواصل بينهما، حتى فرّق الموت جسديهما… لكن لم يفرّق قلبيهما.

أكمل حديثه وكأنما يستعيد ذكرى من زمن النقاء:

– يبدو أن بعض العلاقات لا تنتهي… بل تتوارث، تمامًا كما ورثتما أنتما الاسم نفسه، وها أنتما تورّثان المحبة ذاتها.

اقترب عماد بعد أن لمح دفء الحديث، فقال ضاحكًا:

– يا لها من صدفة… أو ربما هدية من الأجداد.

ضحك نجيب، وقال بعينين تبرقان بالأثر:

– الآن أفهم لماذا شعرت بالقرب منك منذ لقائنا الأول.

رفع عماد صوته، وقال:

– تحيا الصداقة… تحيا عكا… عاش الذين أحبوا بصدق رغم اختلاف الدين، فصنعوا من الاختلاف جمالًا