الصحفي بسام جابر
يشق طريقه في أزمنة التحدي، ويمنح للكلمة قدرة أن تُرى وتُسمع وتُصان.
في الداخل الفلسطيني، حيث لا شيء يُمنح بسهولة، وحيث الإعلام العربي كان يعاني من الغياب أو التبعية، خرج بسام جابر بمقاربة مختلفة. لم يأتِ ليُجمل المشهد، بل ليبنيه. لم يرضَ بأن يكون الإعلام العربي صدى لغيره، بل أراده صوتًا أصيلًا، نابضًا، مرتبطًا بجذور الناس وقضاياهم.
أسس جريدة بانوراما، وهي صحيفة أسبوعية سرعان ما أصبحت مرجعًا إعلاميًا في الداخل الفلسطيني. لم تكن تكتفي بنقل الخبر، بل سعت لتحليله، تفسيره، ووضعه في سياق محليّ حقيقي، يستند إلى واقع الناس لا إلى ما يُملى عليهم. وكانت بانوراما مساحة للتعبير عن الذات الجمعية، حين كان الصوت العربي مُقيدًا أو مشوهًا.
لكن بسام جابر لم يكتفِ بالورق. كان من أوائل من أدركوا أن المستقبل رقمي، وأن الأجيال الجديدة لا تنتظر الصحف المطبوعة، بل تعيش في فضاء إلكتروني لا يعترف بالحدود. هكذا وُلد موقع بانيت، المشروع الإعلامي الرقمي الذي أصبح من أكثر المواقع العربية تصفحًا داخل إسرائيل، بملايين الزيارات شهريًا.
لقد فهم أن الإعلام ليس مجرد مهنة، بل مسؤولية اجتماعية. لم يتعامل مع جمهوره كمتلقين فقط، بل كأصحاب حق، له صوتهم، وهمومهم، وتفاصيل حياتهم اليومية. لذلك لم يكن بانيت مجرد منصة إخبارية، بل نافذة مفتوحة على الواقع الفلسطيني في الداخل، تنقل أخبار الناس، وتُرافق أفراحهم وأتراحهم، وتُضيء الزوايا المنسية في القرى والمدن.
“نحن لا ننقل الخبر فقط… نحن نعيش مع الناس، نحاول أن نكون جزءًا من حياتهم اليومية. الإعلام عندي ليس عملًا، بل علاقة ثقة.”
— من مقابلة مع بسام جابر
“الصحافة ليست سلاحًا نُشهره ضد الآخر، بل جسرًا نبنيه نحو الوعي، ونحو الكرامة.”
— من لقاء صحفي نُشر في بانوراما
وما يُحسب له أكثر من أي إنجاز تقني أو إعلامي، هو إصراره على بناء مؤسسات مستقرة في مشهد إعلامي مضطرب. لم يعمل وحده، بل آمن بالعمل الجماعي، وبنى طاقمًا مهنيًا متعدد الخلفيات، يعكس تنوع المجتمع ويُعبّر عن عمقه واحتياجاته.
ولأنه من الطيبة، من مدينة الزيتون والحكمة، لم يرفع الشعارات، بل اكتفى بالممارسة اليومية، بالخبر المدقّق، بالتحليل الصادق، وباللغة التي تشبه الناس. آمن أن الإعلام الصادق لا يحتاج إلى صراخ، بل إلى دقة، إلى مسؤولية، إلى وعي بأثر الكلمة.
واليوم، بعد أكثر من ثلاثة عقود من العمل الإعلامي، ما زال اسمه حاضرًا لا فقط في أعلى الصفحات أو المواقع، بل في الثقة التي بناها مع جمهور واسع، من النقب حتى الجليل. وهو حضور لا يُشترى، بل يُبنى ببطء، بنَفَس طويل، وبحب حقيقي لهذه الأرض وأهلها.
في زمن تتداخل فيه الحقيقة مع الضجيج، ويضيع فيه الصدق بين منصات التواصل، يظل نموذج بسام جابر حاجة. حاجة إلى إعلامي يرى في الصحافة بناء لا تهديمًا، وفي الكلمة جسرًا لا خندقًا، وفي القارئ شريكًا لا متلقيًارانية مرجية - صورة شخصية