logo

المحامي زكي كمال يكتب: بحثًا عن النصر المطلق في طهران

20-06-2025 07:02:38 اخر تحديث: 20-06-2025 07:06:33

بغضّ النظر عمّا إذا كانت الحرب الحاليّة بين إسرائيل وإيران قد شارفت على الانتهاء مع نشر هذا المقال، أو انتهت، بتدخّل أمريكيّ عسكريّ موضعيّ يستهدف المنشأة النوويّة في فوردو،

المحامي زكي كمال - نصوير: قناة هلا وموقع بانيت

والتي يؤكّد الخبراء في كافّة أنحاء العالم أنها لبّ المشروع النوويّ الإيرانيّ، وأن عدم تدميرها يعني عدم هزيمة إيران ووقف مشروعها النوويّ، أو تدخّل أمريكيّ عسكريّ عامّ يستهدف إسقاط النظام الإيرانيّ أو إضعافه. وهما أمران مختلفان لا مجال للخوض في ملابساتهما اليوم من حيث التأثيرات العالميّة والإقليميّة والتي يخطئ كثيرون، بضمنهم إسرائيل أيضًا، باعتقادهم أنها كلّها إيجابيّة خالصة، وبغضّ النظر عن احتمال استمراريّة الحرب الحاليّة بين إسرائيل وإيران، (بانتظار القرار النهائيّ لدونالد ترامب ) لأسبوعين أو اكثر بقليل، كما تريد الجهات الأمنيّة والعسكريّة الإسرائيليّة التي تحرّكها منطلقات عسكريّة وعملياتيّة وأمنيّة تأخذ بالحسبان الإنجازات العسكريّة، ومعها الرغبة أو الحاجة إلى حماية الجبهة الداخليّة في إسرائيل، والتي لا يساور عاقل الشكّ في أن آخر ما تريده أو تتمناه اليوم وبعد نحو عام وتسعة أشهر من الحرب في غزة، هو حرب استنزاف إضافيّة يرافقها مسّ بالمناطق السكنيّة وعشرات القتلى، بل أكثر خاصّة على ضوء تقييمات رسميّة، أو شبه رسميّة رشحت تتوقّع ربما آلاف القتلى وعشرات آلاف الجرحى، وتعطيل للاقتصاد والعمل، وإبقاء عشرات آلاف الإسرائيليين العالقين خارج البلاد وفوق كلّ ذلك، حالة عدم الأمن وانعدام الأمان، أو لمدّة أطول من ذلك كما يريدها السياسيون في إسرائيل. وكما ألمح الى ذلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي جعل إيران النوويّة عنوانًا لسياساته واعتبرها التهديد الأكبر على أمن إسرائيل، رغم أنها ليست من يمتلك اليوم أسلحة نوويّة من بين طرفي الحرب اليوم كما تؤكّد المصادر الاستخباراتيّة العالميّة، وسنعود إلى هذا لاحقًا، بقوله إن لدى إسرائيل ثلاثة أهداف رئيسيّة من هذه الحرب هي القضاء على البرنامج النوويّ، والقضاء على قدرة إنتاج الصواريخ البالستيّة، والقضاء على محور الإرهاب، حسب قوله، في إشارة إلى الفصائل المسلّحة المدعومة من إيران في الشرق الأوسط، وكلّها أهداف ضبابيّة تمنحه إمكانيّة إطالة مدى الحرب كما يشاء. وهي تذكرنا بالأهداف غير القابلة للتحقيق تحت شعار "النصر المطلق" والموضوعة للحرب في غزة وهي فضفاضة قابلة للتفسير والتأويل، تخدم أهداف الجميع وكلٌّ يغنيها على ليلاه، خاصّة الهدف الثالث الذي يعتبر غريبًا ويثير الشعور أنه "عذرٌ مسبق لمواصلتها"، فالفصائل المسلّحة المدعومة من إيران أصبحت غير ذي وزن منذ فترة طويلة، ومنها "حماس" في غزة ، وحركة "حزب الله" في لبنان، والحوثيّين في اليمن ، فكلهم ومع سقوط نظام بشار الأسد شكّلوا انهيارًا تامًّا لما تسميه إسرائيل "محور الإرهاب" أو " محور الشر" الذي بقيت منه طهران وحيدة، ما قاد إسرائيل إلى الشروع بهذه الحرب المباشرة والعسكريّة والتي جاءت بعد عقود من "حروب الظلّ"، التي تخلّلها اغتيال لعلماء الذرّة الإيرانيين وتفجيرات "غريبة" لموانئ ومصانع إيرانيّة، وتفجير للسفارة الإسرائيليّة في الأرجنتين وغيرها من النشاطات التجسسيّة المتبادلة، وصولًا إلى صبيحة الجمعة الماضية من عمليّة عسكريّة وحرب باشرت بها إسرائيل بهجمات مفاجئة ضد أهداف في أنحاء إيران وتصفية القيادة الأمنيّة الإيرانيّة، بمن فيهم رؤساء أركان، وقائد سلاح الجو، وقادة في الاستخبارات. وباختصار حالة قد تستمرّ فيها الحرب دون مبرّرات أمنيّة حقيقيّة، كما هو الحال في الحرب في غزة التي يجمع كثيرون ومنهم قادة في الجيش الإسرائيليّ، أن لا مبرّرات عسكريّة لاستمرارها، وأن مواصلتها تتمّ بقرارات اتخذتها القيادات الحاليّة يمينيّة النزعات، لأهدافها السياسيّة والائتلافيّة الضيّقة ورغبتها في البقاء في السلطة، وخلافًا لمصلحة مواطنيها الذين يئنّون تحت كاهل الأعباء الاقتصاديّة والنفسيّة والخسائر البشريّة التي ألحقتها الحرب في غزة.

عقوبات اقتصاديّة خطيرة أعادت إيران سنوات إلى الوراء  كذلك هو الأمر من جهة إيران التي تعيش منذ العام 1979، حالة غريبة للغاية قوامها الفارق الشاسع بين قرارات وسياسات القيادات الدينيّة الأصوليّة المتزمّتة المتعنّتة في مواقفها، التي تخضع لسياسات "ولاية الفقيه" وتتعمّد رسم سلّم أولويّات يعتبر التمدُّد الدينيّ، ونشر ولاية الفقيه الهدف الأول وتسخير كافّة المقومات لذلك، وتوجيه كافّة المقوّمات الاقتصاديّة والعلميّة والبشريّة لتحقيقه حتى لو كان ذلك على حساب انهيار اقتصاديّ وعلميّ واجتماعيّ وفقر تامّ وهروب للأدمغة وعقوبات اقتصاديّة. وهو كذلك بالفعل، وبالتالي تواصل هذه القيادات ممارسة هذه السياسات وفي مقدّمتها التوجّه غير المبرّر إلى السعي لامتلاك قنبلة نوويّة، وأسلحة طويلة المدى وصواريخ عابرة للقارات، تشكّل تهديدًا للجارات والدول العربيّة في الخليج فذاق مواطنو إيران بغالبيّتهم العظمى، وليس القيادات المتنفّذة، الأمرين وتردّت أحوالهم، جرّاء ذلك بما في ذلك مظاهرات في موسم الحج وغير ذلك، لا حاجة حقيقيّة لها بها إلا تبجيل قادتها. وهو الحاصل في إيران التي تواجه منذ سيطرة النظام الخمينيّ عليها بعد انتهاء عهد الشاه محمد رضا بهلوي، بتواطؤ ومساعدة أوروبيّين ومنها فرنسا التي احتضنت الخميني لسنوات ومكّنته من العودة، عقوبات اقتصاديّة خطيرة أعادتها سنوات إلى الوراء وحرمت مواطنيها من التقدّم والتطوّر الاقتصاديّ والأكاديميّ والعلميّ والشخصيّ، وحرمت البلاد حتى من استغلال النفط المتواجد لديها والذي تستخرجه من أراضيها، بسبب عدم قدرتها على تكريره " كالحمار يحمل أسفارًا". وما تلا ذلك من تشكيل ودعم وتسليح للحركات المسلّحة في المنطقة ابتداءً من "حزب الله" في لبنان وسوريا والعراق وفيلق القدس، والحوثيّين في اليمن وحركة "حماس" في غزة، واعتبار إسرائيل العدو الأوّل رغم الحقيقة الواقعة وهي أن لا خلافات إقليميّة، أو سياسيّة بينهما، وأن هذه الحركات لم تخدم في الحقيقة أيّة اهداف تتعلّق بالنزاع الإسرائيليّ الفلسطينيّ، أو العربيّ الإسرائيليّ من قريب أو بعيد، وباختصار قيادة دينيّة رهنت حاضر ومستقبل البلاد خدمةً لأهداف شخصيّة وفئويّة ضيّقة لا تمثّل الرأي العامّ السائد، ولا تعكس حقيقة تطلّعات الشعب الإيرانيّ الذي يطمح إلى الحريّة والتقدّم والعودة إلى سابق عهد البلاد التي كانت دولة منفتحة وليبراليّة، وإن لم تكن ديمقراطيّة، فصلت بين الدين والدولة (مع الإشارة هنا إلى أن عدم قدرة الشعوب والدول العربيّة والإسلاميّة، ومؤخّرًا ربما إسرائيل، على الفصل بين الدين والدولة هي طامّة كبرى) وتربطها بالغرب علاقات سلام وبالمحيط القريب علاقات حسن جوار، تحوّلت بعد الثورة الخمينيّة إلى حرب طاحنة مع العراق دامت 8 سنوات، وتوتّرات مع دول الخليج وغيرها، وهي توجّهات يحاول الشعب الإيرانيّ تغييرها عبر انتخابات برلمانيّة ورئاسيّة، يتّضح أن المشاركة فيها شكليّة وصوريّة ما دامت الحكومات والرؤساء في إيران، لا يتعدّون كونهم "أداة تنفيذيّة لسياسات المرشد الأعلى للثورة" وتطبيقها بحذافيرها، فهي ديمقراطيّة وانتخابات شكليّة لكنها بعد الانتخابات تتحوّل إلى حكم وسيطرة الرجل الواحد الذي لا يستشير ولا يناقش ولا يتحمّل النقد والانتقاد، والويل والثبور لمن يعارض، فتهمة الخيانة جاهزة.. في قاسم ٍ مشترك آخر مع إسرائيل.

الحقيقة مُرّة وقولها يتطلب النظر إلى الأمور بمنظار عقلانيّ ورؤية واسعة
قالوا إن الحقيقة مُرّة، وأن قولها يتطلب النظر إلى الأمور بمنظار عقلانيّ ورؤية واسعة، لا تخضع للاعتبارات الشعبويّة ولا تقبل نظريّة القطيع، وترفض أن تتحوّل مهمّة التحليل السياسيّ إلى انصياع وانسياق وراء التصريحات الرسميّة والمؤتمرات الصحفيّة وهي تصريحات تأتي للاستهلاك العامّ، أو ربما لتخدير الرأي العام. ومن هذا المنطلق وبعيدًا عن التصريحات والبيانات ومنها بيان رؤساء الدول السبع الكبرى اقتصاديًّا، وهي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وكندا، (G7) خلال مؤتمرهم الذي انعقد في كندا، الذي يدعم حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها ويعارض امتلاك إيران للسلاح النوويّ ويصف إيران بأنها المصدر الرئيسيّ لعدم الاستقرار في المنطقة، أو تصريحات دونالد ترامب أنه كان على الإيرانيّين قبول الصفقة التي اقترحها عليهم، وقوله إن إيران لن تفوز في هذه الحرب، ويجب عليها الاستسلام التام وقبل فوات الأوان، فإن الحقيقة المؤلمة هي أن الحرب الحاليّة تشكّل بالنسبة لطرفيها بحثًا عبثيًّا عن نصر لم يتحقّق في ساحات الحرب الأخرى، أو على الأقلّ رغبة من قيادات الطرفين في إقناع شعوبها أنها الحامي الوحيد لهم وأنها لا تتنازل عن "الكرامة الوطنيّة"، فالقيادة الإيرانيّة الحاليّة والتي قبلت خوض المفاوضات النوويّة مع الولايات المتحدة بعد أن لوّحت الأخيرة بالخيار العسكريّ فور تولّي ترامب مهام منصبه، وفي ظلّ ظروف إقليميّة وعالميّة جعلتها أضعف ممّا كانت عليه في السابق خاصّة في ظلّ الضربات التي تلقتها عبر ضرب حلفائها وخاصّة "حزب الله" والحوثيّين وحركة "حماس" وتدمير كافّة منظومات الدفاع الجويّ الإيرانيّة جراء العمليّات العسكريّة الإسرائيليّة في العمق الإيرانيّ وما انكشف من خلالها من اختراقات أمنيّة واستخباراتيّة خطيرة تمكن من خلالها جهاز "الموساد" من تعقّب القيادات العسكريّة واغتيال علماء الذرّة وقيادات وشخصيّات فلسطينيّة منها إسماعيل هنية أثناء تواجده في مبنى تابع للحكومة الإيرانيّة، وهو أمر ليس بالجديد، بل إنه استمرار للقول المشهور للرئيس الإيرانيّ السابق محمود أحمدي نجاد الذي جاء فيه أن الحكومة الإيرانيّة شكّلت فريقًا خاصًّا لتعقّب عملاء "الموساد" في إيران لتكتشف لاحقًا أن رئيس هذا الفريق الخاص وعشرين من أعضائه عملاء لجهاز "الموساد" ، دون أن تدرك أنها خسرت الحرب، أو الرهان العسكريّ في الشرق الأوسط عبر وكلائها المتعدّدين، وأن عليها أن تفهم ذلك بكافّة أبعاده ، بل إنها أرادت تحويل الشأن النوويّ والمفاوضات مع أمريكا والعداء المباشر مع إسرائيل، وسيلة لتحقيق انتصار لم يتحقّق سابقًا، بل للتعويض عن هزيمة واستنزاف سابقين، بعد أن سقطت أوراق الشجرة الإيرانيّة وولاية الفقيه في المنطقة واحدًة تلو الأخرى، بدءًا بحركة "حماس" و"حزب الله" والحوثيّين، وانتهاءً بسوريا التي سقط فيها نظام الأسد واستبدله أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) الذي نزع زي المجاهدين، واستبدله بزي رسميّ أوروبيّ، وسط عمىً تامّ للحالة الدوليّة التي يسودها الاتفاق على خطورة الأنظمة السلفيّة والمتديّنة والأصوليّة وآخرها نظام "آية الله" في طهران ، ودون أن تفهم أن العالم اليوم لن يسمح لمثل هذه الأنظمة بتحقيق أيّ انتصار سياسيّ، أو دبلوماسيّ وكم بالحري عسكريّ، وبالتالي واصلت القيادة الإيرانيّة، ومن منطلقاتها الجهاديّة والدينيّة عدم قراءة الواقع بشكل صحيح، وعدم فهم الرسائل السياسيّة، وعدم الاكتراث بأحوال مواطنيها قبل اتّخاذ أي خطوة كانت، وبالتالي وبدل استغلال المفاوضات النوويّة وإبداء المرونة والإدراك أن إسرائيل أو نتنياهو قد يحاول المسّ بها وربما إفشالها إذا طال أمدها، وبدل استخدام مفاوضات النوويّ مع واشنطن لتحقيق أهداف اقتصاديّة وسياسيّة عامّة للبلاد وتحسين أوضاعها وأوضاع مواطنيها عبر اتّفاق لرفع العقوبات، ولتحقيق مستقبل أفضل يعيد إلى إيران هيبتها كدولة بعد 46 عامًا من الإقصاء والتطرّف والتدهور، أرادت تحويلها أو استخدامها لتعويض هزيمتها في الشرق الأوسط ، وتحقيق "نصر" على أمريكا برئيسها متقلّب المزاج، الذي أراد المفاوضات بخلاف مواقف إسرائيل، لكنّه غيَّر مواقفه مطالبًا باستسلام تامّ، أو تنازل إيرانيّ تامّ عن السلاح النوويّ والصواريخ بعيدة المدى، وهو طلب أقسى من الأهداف التي وضعها بنيامين نتنياهو للحرب.

تحقيق النصر في غزة غير ممكن
إسرائيليًّا وهذه هي الحقيقة المرّة، لا يختلف الوضع كثيرًا، فالحرب الحاليّة هي حرب البحث عن نصر لم يتم تحقيقه في الحرب في غزة رغم دخولها الشهر التاسع من عامها الثاني لتصبح بذلك، أطول حرب إسرائيلية منذ العام 1948، وهي الحرب التي تتواصل دون أن تتحقق أهدافها ، فحركة "حماس" ما زالت موجودة فكرًا وتأثيرًا وحضورًا رغم كافّة الضربات، ويبدو أن الحكومة الحاليّة ولأهدافها السياسيّة، تُصِرُّ على رفض الاعتراف بحقيقة لا يمكن القضاء على توجه دينيّ متزمّت بقوّة السلاح حتى لو تمّت هزيمته عسكريًّا، بل إن الطريق إلى ذلك هي تغيير النفوس والعقول عبر تغيير الحال ومنح الناس فرصة مناسبة لإدراك مساوئ التزمّت والتطرّف عبر فتح آفاق سياسيّة حقيقيّة يبدو في نهايتها نور مختلف ومستقبل أفضل، وليس المزيد من الدمار والقتل والجوع، ولم تفهم أن العالم مهما تماهى معها فإن لصبره حدودًا، وغلاف صحيفة "نيويورك ماغازين" الأمريكيّة من صباح الثلاثاء والذي يحمل عنوان "جرائم القرن" والذي جاء فيه إن إسرائيل نفّذت عشرات آلاف الجرائم في غزة بدعم من إدارتي جو بايدن ودونالد ترامب، وما سبق ذلك من ابتعاد أوروبيّ عن إسرائيل وتدهور مكانة إسرائيل الدبلوماسيّة وإعلان دول أوروبية منها فرنسا واسبانيا وبريطانيا وكندا استعدادها للاعتراف بدولة فلسطينيّة وعقد مؤتمر دوليّ لتطبيق حلّ الدولتين. وباختصار، أدرك نتنياهو وحكومته وائتلافه أن تحقيق النصر في غزة غير ممكن خاصّة، وأن الحرب هناك تحوّلت إلى حرب استنزاف توقع القتلى والجرحى في صفوف الجيش الإسرائيليّ بينما يتواصل الجمود التامّ في المفاوضات لصفقة تبادل للرهائن وسط خشية من أن توسيع نطاق الحرب في غزة سيؤدّي إلى موتهم، وعلى ضوء مطالبات متواصلة حتى من أعضاء في حزب "الليكود" الحاكم بالاعتراف أنه لا يمكن القضاء على "حماس" نهائيًّا، ولا يمكن تحقيق النصر المطلق"، ولذلك يجب وقف الحرب وهو ما يرفضه الشركاء الخلاصيّون المتديّنون في الحكومة وخاصّة بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير ويهددان بإسقاط الحكومة إذا تمّ، وبالتالي كان على نتنياهو البحث عن "النصر المطلق في ساحة أخرى هي إيران وطهران"، وإعلان الحرب عليها بعد يوم واحد فقط من ردّ البرلمان اقتراحًا بتبكير موعد الانتخابات، وبالتالي وبقدرة قادر، صرنا نسمع اليوم وبعد بدء الحرب في إيران، عن تقدّم كبير وملموس لصفقة تبادل للرهائن ووقف للحرب في غزة، ويقينًا سيجد اليمين المتطرّف في الحكومة التسويغ الشرعيّ لقبول ذلك إذا تزامن مع الحرب مع إيران، التي يريدها نتنياهو طويلة ومن هنا أهدافها الضبابيّة.
فوق ذلك، فالحديث الإسرائيليّ والذي وجد ضالته ربما بسبب الحرب في غزة ودعم إيران لحركتي "حزب الله" و"حماس" وجماعة الحوثيّين، حول كون السلاح النوويّ الإيرانيّ خطرًا وجوديًّا على إسرائيل هو "حديث في الغيب"، فإيران بعيدة عن إنتاج القنبلة النوويّة بينما إسرائيل وفق معلومات استخباراتيّة أجنبيّة تملك قنابل نوويّة، وبالتالي فهي التي تشكّل خطرًا باحتمال استخدام السلاح النوويّ، ومن هنا فإن الحقيقة السياسيّة الواضحة أن الحكومة الحاليّة عامّة ورئيسها خاصّة، وجدوا في إيران الملاذ الأخير لذلك، باعتباره المكان الأخير وربما الفرصة الأخيرة لخوض حرب، تُنسي الحرب في غزة، ولو بثمن عرقلة مفاوضات نوويّة أمريكيّة إيرانيّة مباشرة كانت قد تفضي إلى اتفاق بعد خمس جولات منها وقبيل الجولة السادسة، والمخاطرة ربما بمواجهة إقليميّة أو ربما أوسع، ما يعني أن الهدوء والسلام لا يخدمان الحكومة الحاليّة ولا يضمنان بقاءها، بل ربما بالعكس، وبالتالي جاءت هذه الحرب التي يتحدّث الوزراء عنها بنشوة غريبّة رغم المعطيات الخطيرة التي تمّ عرضها عليهم قبل إقرار العمليّات العسكريّة في ايران، والتي تتوقّع آلاف القتلى من المدنيّين، في واقع تواجه فيه حكومة نتنياهو أزمات سياسيّة وأمنيّة خارجيّة، ويواجه هو محاكمات تقترب من الحسم وسط صدام مع الجهاز القضائيّ وأجهزة أمنيّة أو قياداتها على الأقلّ، وأزمات داخليّة خانقة تشمل الانقسام الشعبيّ، وتآكل صورة "الجيش الذي لا يُهزم" في غزة، والعزلة الدوليّة، فتصبح واحدة من وسائل البقاء في الحكم، تصعيد التوتّرات السياسيّة مع الدول الأوروبيّة والصدامات مع فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وابتعاد التطبيع مع السعوديّة، والتوترات العسكريّة وصولًا إلى "ركوب الحصان الأخير"، أي الحرب الحاليّة مع إيران، التي لا يعرف أحد كيف ومتى ستنتهي، مع الثقة أن من سيدفع ثمنها هم البسطاء وعامّة الشعب.

"الحرب لا تحدّد من هو المصيب، بل تحدّد فقط من هو الباقي"
لا تتغيّر أبدًا طبيعة الحرب. فهي تُخاض لأهداف سياسيّة. كما المفكّر البروسي كارل فون كلاوزفيتز من أنها استمرار للسياسة ولكن بوسائل أخرى، وهي حرب تخوضها من الجانبين قيادات تفكّر أولًا بأجنداتها الشخصيّة ومنطلقاتها القوميّة التي تطمح إلى إقامة دولة عظمى فارسيّة، أو دولة إسرائيل التوراتيّة، أو مرحليًّا ضمان البقاء السياسيّ مهما كلّف ذلك من ثمن في إيران وإسرائيل وغزة أيضًا، غير آبهة بمواطنيها الذين انتخبوها لقيادتهم إلى برّ الأمان والى هدوء واستقرار وتقدّم، وليس إلى حروب تستنزف مقدرات البلاد، وتزهق حياة مواطنيها من الجنود والمدنيين على حدّ سواء. ومن هنا يتم حرف النقاش عن الحرب في غزة بين إسرائيل و"حماس". وهي منظّمة سلفيّة سنيّة لكنها تتبنى نفس التفكير الإيرانيّ من حيث التمدّد والجهاد واستخدام السلاح وتسخير مقدّرات الشعب الفلسطينيّ لخدمة أهدافها الحركيّة، والتي لا تتطابق دائمًا مع أهداف الشعب. والدليل أنها هي التي ساهمت في إفشال اتفاقيّات أوسلو والانقلاب على السلطة الفلسطينيّة في غزة واستغلت أموال الدعم العالميّة والخليجيّة والقطرِيَّة خاصّة وبموافقة نتنياهو، لبناء قوة عسكريّة وأنفاق وصواريخ واستخدامها في جولات من الصدام مع إسرائيل دفع المواطنون من غزة ثمنها من قتل وتهدم للمنازل وفقر وغيره، بدلًا من إنشاء بنيّة تحتيّة مدنيّة وعلميّة وأكاديميّة تشغيليّة وإنتاجيّة تشكّل بداية استقلال اقتصاديّ وتقنّي وحتى غذائيّ. والحرب في إيران، وبعيدًا عن النقاش حول الأسباب والمبررات الى النقاش حول أنها تأتي لضمان البقاء والوجود، عملًا بقول الفيلسوف وعالم المنطق والمؤرخ البريطانيّ برتراند راسل حول الحروب ونتائجها: "الحرب لا تحدّد من هو المصيب، بل تحدّد فقط من هو الباقي". ولذلك فهي من حيث طرفيها، حرب سياسيّة وغير ضرورّية عنها يقول المفكر والفيلسوف الإيطاليّ نيكولا ميكيافيلي: " تكون الحرب عادلة عندما تكون ضروريّة، ويكون استعمال السلاح جائزًا عندما لا يوجد أمل إلا في السلاح".. وهو ليس الحال اليوم وفي كلا طرفي الحرب الحاليّة، أو حتى أطرافها المباشرة وغير المباشرة، وهو ما ينذر بأن الحرب الحاليّة، وعلى خلفيّة اعتبار أن أسلحة نوويّة في المنطقة القريبة، أو حتى قدرات نوويّة تستخدم للسلم ويمكن تطويرها لأغراض عسكريّة، تشكِّل خطرًا على أمن المنطقة، ربما لن تكون الأخيرة... واللبيب من الإشارة يفهم!!!!!

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان: bassam@panet.co.il