الشيخ أمير نفار - صورة شخصية
فغرق الأول، ونجا سيدنا نوح -عليه السلام- ومن معه.
فقد تمثل "الامتيازات" للمواطن العربي في الداخل الفلسطيني "الشاطئ"، بينما تشير "الأعماق" إلى مكامن القوة الذاتية، والتي في مقدمتها قوة الشريعة الإسلامية التي تصلح لكل زمان ومكان لإخراج أهلها من ذل الاستضعاف إلى قوة التمكين، من خلال ما عبّر عنه سيد قطب رحمه الله بـ : "فقه الحركة" الذي يطرق كل باب لإيجاد المخرج ورفض حالة الطغيان.
ما دام ينظر للأعلى ويقتنص - فلن يثبط عزم الطائر القفص
والثائرون سحاب الخلد ما نفدوا - سيهطلون حياة كلما نقصوا
المستحيل حكايات مزورة - من صلب كل محال تولد الفرص
كما أن فقه الترخص، ومنهج السلامة باب "الشاطئ" الذي قد تهرب إليه بعض النخب، حتى يصير هناك شغور في المهمة القيادية بين نخب وظيفية أو عاجزة، ولو أنهم طلبوا سلامة الدين وأبحروا تجاه الأعماق لوهبت لهم الحياة.
وقد يتبادر للذهن ذاك السؤال المعهود: ألم تكن الأعماق دائمًا موطن المخاطر، وموضع الابتلاء، ومنبت الشوك؟!
هنا لبّ الفكرة وجوهرها، قال أحدهم: لا يمكنك التفكير بنزاهة إذا كنت لا تريد أن "تؤذي" نفسك.
وهذه النظرة العميقة التي قد يعتبرها البعض ضربًا من التهور والجنون، أصّل لها الحديث النبوي الشريف الذي دائمًا ما يُستلهم في أوقات الأمة الصعبة إذ قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: "يوشِكُ الأممُ أن تداعَى عليكم كما تداعَى الأكَلةُ إلى قصعتِها . فقال قائلٌ: ومن قلَّةٍ نحن يومئذٍ ؟ قال صلى الله عليه وسلم: بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ ، ولكنَّكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيلِ ، ولينزِعنَّ اللهُ من صدورِ عدوِّكم المهابةَ منكم ، وليقذِفَنَّ اللهُ في قلوبِكم الوهْنَ . فقال قائلٌ: يا رسولَ اللهِ ! وما الوهْنُ ؟ قال صلى الله عليه وسلم: حُبُّ الدُّنيا وكراهيةُ الموتِ".
فكلما تعلقت النفس بالدنيا وخشيت أن تخسر منها لعاعًا ومتاعًا، وكلما أحجمت النفس وكرهت التضحية والإقدام ... كلما أصبح تفكيرها معوّجًا - وإن تغلف بالحكمة – وبهذا تفقد الشخصية الإسلامية وزنها النوعي وتدخل في قفص الغثائية.
وكلما اقتحمت النفس خطوط الوهم والوهن، كلما أدركت:
- أن الفارق بين (المستحيل) و(الممكن) هو مقدار المجهود الذي نبذله...
- أنه مهما تشابكت التفاصيل، فإن وعد النصر معقود ...
أنه لا يمكن أن تُهزم الدعوات ما دامت تنبض بحبها القلوب، وما دام هناك من قد وهبوا أنفسهم لها، يحيون فيها، ويعيشون بها ولها، ويضحون في سبيلها..
- طالما الروح موجودة، والأيادي بالعهد ممدودة، والصفوف الدعوية بالحب مشدودة، فلا ضير...
- أن مهمة المسلم هو السير في هذه الدنيا إلى منتهى الكمال الممكن له... أما النتائج فهي على الله تعالى وحده.
ختامًا: يقولون إن عملية الإصلاح والنهوض بحاجة إلى تغيير نفسي وفكري، والتغيير النفسي والفكري يحتاج إلى إعداد البيئة، والبيئة إلى صناعة، ولكن السؤال من الصانع؟
هنا مكمن الخلاف بين المفكرين، ولكن ما لا يمكن الخلاف عليه هو أن وراء التغيير إرادة وعزيمة، ورفضًا للاستضعاف والطغيان، فإن المفاصلة على مستوى الشعور هي الخطوة الأولى، وليس خلفها إلا القاع.
لا تحسِب الارضَ عن إنجابِها عقِرَت - من كلِّ صخرٍ سيأتي للفِدا جبلُ
فالغُصنُ يُنبِتُ غصنًا حينَ نقطعهُ - والليلُ يُنجِبُ صُبحًا حينَ يكتمِلُ
ستُمطِرُ الأرض يومًا رغمَ شِحّتِها - ومن بطونِ المآسي يولدُ الأمل
فإذا جاءك اليأس ليحدثك عن المستحيل، فيحتل قلبك، ويكبل جوارحك، فحدّثه عن قدرة رب العالمين.
{إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} يس 82، وأن حقائق اليوم أحلام الأمس، وأحلام اليوم حقائق الغد بإذن الله رب العالمين. {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} يوسف 21 .