في عصر أصبحت فيه التكنولوجيا تتسلل إلى كل تفصيلة من تفاصيل حياتنا اليومية، لم تكن السيارات بمعزل عن هذا التطور. بل على العكس، تحوّلت السيارات الحديثة إلى منصات متكاملة من الخدمات الذكية، التي باتت تُعرف باسم ”الخدمات المتصلة“.
هذه الميزات، التي كانت حتى وقت قريب تُعتبر ترفاً حصرياً في سيارات النخبة، أصبحت الآن جزءاً أساسياً من تجربة القيادة اليومية لمعظم السيارات الجديدة. ومع ذلك، ورغم هذا الانتشار الواسع، يشهد سوق هذه الخدمات تراجعاً ملحوظاً في الإقبال، وهو ما سلط عليه الضوء هذا التقرير.
تتعدد مظاهر الخدمات المتصلة لتشمل مجموعة واسعة من الخصائص، بدءاً من الملاحة الذكية والتحديثات الهوائية للبرمجيات، مروراً بإمكانية التحكم في السيارة عن بُعد عبر تطبيقات الهاتف، وصولاً إلى مراقبة البيانات الفورية حول القيادة والأداء. ومع أن هذه الخصائص تهدف إلى تسهيل الحياة وتقديم تجربة قيادة أكثر تطوراً، إلا أن الواقع بدأ يكشف عن مفارقة مثيرة للاهتمام. فالكثير من المستخدمين باتوا ينظرون إلى هذه الخدمات بعين الريبة أو التردد، لا سيما في ظل تصاعد المخاوف المتعلقة بالخصوصية وارتفاع كلفة الاشتراك بها.
ما سبب عدم رغبة استخدام هذه الخدمات من قبل العديد من السائقين؟
من أبرز الأسباب التي تدفع المستخدمين للابتعاد عن هذه الخدمات هو الشعور بعدم الجدوى مقارنة بما يدفعونه. فبعد انتهاء فترة التجربة المجانية، يجد السائق نفسه مطالباً بدفع اشتراكات شهرية لا تقل عن 10 إلى 20 دولاراً لبعض الخدمات الأساسية، وهو ما يراه البعض عبئاً إضافياً في ظل تضخم التكاليف اليومية. كما أن شركات السيارات أصبحت تعتمد بشكل متزايد على هذه الاشتراكات كمصدر دخل مستدام، مما يدفعها إلى حجب بعض الخصائص خلف جدران الدفع، الأمر الذي أثار انتقادات واسعة.
إلى جانب الجانب المادي، تلعب مخاوف الخصوصية دوراً متزايداً في تراجع الحماس. فالمستهلك اليوم أكثر وعياً بكيفية تعامل الشركات مع بياناته الشخصية. فكرة أن السيارة قادرة على تتبع موقعه، ورصد سلوكه في القيادة، وربما حتى الاستماع إلى أوامره الصوتية، أصبحت مصدراً للقلق وليس للراحة. وتُظهر الدراسات أن نسبة كبيرة من المستخدمين، خصوصاً في أوروبا، باتوا يرفضون تفعيل هذه الخدمات خوفاً من انتهاك خصوصيتهم أو تسريب بياناتهم الحساسة.
كل هذه العوامل دفعت صانعي السيارات إلى مراجعة استراتيجياتهم. فبعضهم بدأ يعرض باقات أكثر مرونة، بينما لجأ آخرون إلى تعزيز سياسات حماية البيانات لكسب ثقة العملاء مجدداً. أما شركات التقنية المتحالفة مع قطاع السيارات، فبدأت تضخ استثمارات كبيرة في تطوير حلول أكثر أماناً، أملاً في استعادة ثقة المستهلك.
في النهاية، ورغم أن الخدمات المتصلة لا تزال تُعد من ركائز السيارات الحديثة، إلا أن مصيرها بات مرهوناً بثقة السائق وقدرته على التوفيق بين حاجته للراحة وحفاظه على خصوصيته. فهل ستنجح الشركات في إقناع المستهلكين بإعادة تبني هذه الخدمات؟ أم أننا على أعتاب موجة من التراجع في الاعتماد على “السيارات الذكية”؟ وحدها الأيام كفيلة بالإجابة.
صورة للتوضيح فقط - تصوير: BONDART PHOTOGRAPHY - shutterstock