‘ العنصرية تسقط عند سرير الشفاء ‘ - بقلم: رانية مرجية
رغم أن العنصرية تنهش مجتمعنا في كل زاوية، في المدارس، في الشوارع، في المؤسسات، بل وحتى في الحدائق العامة، إلا أن هنالك مكانًا واحدًا يتهاوى فيه هذا الغول، مكان تُنتزع فيه الأقنعة، وتُكشف فيه الوجوه على حقيقتها،
رانية مرجية - صورة شخصية
وجه الإنسان قبل كل شيء. إنه المستشفى، وتحديدًا... غرفة المرضى.
في هذه الغرفة الصغيرة، التي لا تتعدى بضعة أمتار، تختفي الانتماءات السياسية، تبهت الأعلام والشعارات، تتلاشى الكراهية، وتضمحل الألقاب. هناك، وعلى سرير أبيض يئن تحت وطأة المرض، قد تجد عجوزًا يهوديًا من القدس يجلس إلى جانب شاب عربي من الناصرة، أو مستوطنًا من الخليل يشارك نفس الغرفة مع لاجئ من غزة. في حضرة الألم، نصبح كلنا سواسية.
لا فرق بين يهودي وعربي، لا تمييز بين متدين وعلماني، بين يميني ويساري، بين لاجئ ومستوطن.
هناك، حيث يئن الجسد ويتواضع الكبرياء، تتولد صداقات لم تكن لتُخلق في أي مكان آخر. في لحظة صدق نادرة، قد يمد العربي كوب ماء لليهودي، وقد يُمسك اليهودي يد العربي عندما يتأوه من ألم إبرة، وتنهال عليه دعوات الشفاء الصادقة.
هل تصدقون أنني سمعتُ يومًا يهوديًا متدينًا يهمس لجاره العربي على السرير المجاور: "الله يشفيك ويقويك"؟
لم يكن ذلك نفاقًا ولا رياءً، بل لحظة إنسانية خالصة، نقية، كأنها نجت من خراب هذا العالم.
في المستشفيات، يتعلم الإنسان كيف ينظر إلى الآخر، لا كخصم أو عدو، بل كشريك في الوجع، وكرفيق في رحلة الأمل. فالألم لا يفرّق، والمرض لا يسأل عن الهوية، والخوف من الموت لا يعرف لغة أو دينًا. وهنا بالضبط، تحدث المعجزة.
ليس فقط الشفاء الجسدي، بل الشفاء من الأحكام المسبقة، من التلقين العنصري، من الكراهية التي نُرضعها منذ الطفولة دون أن نعي.
رأيتُ بأم عيني رجالًا خرجوا من المستشفى وهم يحملون في قلوبهم نورًا جديدًا، نظرة جديدة للحياة ولمن حولهم. تغيروا بنسبة 99% كما أحب أن أقول، وصاروا أكثر رحمة، أكثر إدراكًا لما هو أهم: الإنسان.
فربما... فقط ربما، لو وضعنا سياسيينا في مستشفى، في غرف مختلطة، بدون حراس أو شعارات، فقط أسرة بيضاء وقلوب مفتوحة، لخرجوا بعد أيام أقل تعصبًا، وأكثر إنسانية.
لكن، للأسف، السرير الأبيض لا يسع كل هذا الوطن.
من هنا وهناك
-
‘ حتى نلتقي: أنا خيرٌ منه ‘ - بقلم : يوسف أبو جعفر
-
القوانين الأساسيّة للكون بسيطة.. لكن لا نفهمها لأنّ حواسّنا محدودة!
-
مقال: بعد رفع ترامب بطاقتين صفراء لنتنياهو واحتمال بطاقة حمراء مزلزلة - هل يرد نتنياهو بقلب الطاولة؟ بقلم : د. سهيل دياب
-
الائتلاف الشامل الآن الآن.. بقلم: د. أسامة مصاروة - الطيبة
-
برامج متجددة في ظاهرها، متكرّرة في مضمونها: حين يغيب التجديد عن جهاز التربية والتعليم
-
مقال: ‘سرٌ من أسرار القرآن‘ - بقلم : الشيخ عبد الله إدريس
-
مقال: بين الوعود والوقائع: الدولة الفلسطينية في خطاب الإدارات الأمريكية - بقلم: سليم السعدي
-
مقال: ماذا يتوقع مسيحيو الأرض المقدسة من البابا الجديد؟ بقلم : وديع أبونصار
-
‘ الصبر أم التسامح ‘ – بقلم : رانية مرجية
-
‘ إلى القيادة العربية في الداخل الفلسطيني: من إدارة البقاء إلى صناعة المستقبل ‘ - بقلم : الكاتب الفنان سليم السعدي
أرسل خبرا