‘ إرجاع ينابيع المياه الى طبيعتها ‘ - بقلم: تومر عتير – زافيت
الينبوع هو مكان ترفيهي محبوب في الطبيعة، لكنه في كثير من الأحيان نادرًا ما يكون طبيعيًا بالفعل. الترميم الصحيح للينابيع في البلاد يمكن أن يُحسّن من حالتها البيئية، ويتيح لنا السباحة المنعشة فيها.
صورة للتوضيح فقط - تصوير الشرطة
عندما يبدأ الطقس بالدفء ويقترب الصيف، يحين الوقت لإخراج مبرّد الطعام وعدّة القهوة والاسترخاء بجانب ينبوع بارد. الينابيع يمكن أن تكون أيضًا موطنًا طبيعيًا صحيًا يدعم البيئة الطبيعية، وأيضًا مكانًا مناسبًا لنا للاسترخاء والاستمتاع في أوقات الفراغ.
من الناحية البيئية، تُعتبر الينابيع موائل (بيئات طبيعية) تحتوي على ظروف طبيعية تدعم تنوعًا بيولوجيًا واسعًا من الكائنات الحية والنباتات. فلديها ظروف بيئية ثابتة على مدار الفصول والسنوات، مثل توفّر المياه، تركيبتها الكيميائية ودرجة حرارتها. ولهذا السبب، تستطيع الينابيع توفير خدمات للنباتات والحيوانات، خصوصًا في المناطق أو المواسم الجافة. وعندما يكون تدفق المياه مستقرًا، وتنمو نباتات على ضفافه، يُمكن للنظام البيئي أن يوفّر الغذاء والمأوى لحيوانات برية، مثل اللافقاريات المائية، البرمائيات، وحيوانات أخرى لتروي عطشها.
عندما تتضرر بيئة الينبوع أو يقل تدفق المياه، يمكن أن يتغير نظام الجريان في مجرى الماء، وقد تنخفض جودة المياه، وتختفي النباتات، ويقل عدد الكائنات التي تعتمد على هذا الينبوع، كما قد تستولي الكائنات الحية الغازية على المنطقة.
في مقال نُشر مؤخرًا في مجلة יער – وهي مجلة مختصة بالغابات والمساحات المفتوحة" يصف خطط الكيرن كييمت لإسرائيل (الصندوق القومي اليهودي) لترميم مئات الينابيع المتضررة في إسرائيل بسبب التدخل البشري.
لماذا ليس علينا "ترميم" الينابيع؟
الينبوع هو بيئة حساسة للتأثير البشري، لأن الإنسان يميل إلى تعديل بيئته لتناسب احتياجاته. سواء عبر ضخ المياه وتخزينها أو من خلال "إعادة تصميم" بيئة النبع من قبل الزوار أو السلطات – هذه التغييرات تضر بالنظام البيئي.
تقول د. أوريت سكوتلسكي، عالمة بيئة من وحدة العالِم الرئيسي في الكيرن كييمت، والتي كتبت المقال مع الدكتور إلدد ألرون "في المناطق المتوسطية مثل إسرائيل، يمكن ملاحظة تأثير الإنسان تقريبًا على كل الينابيع. وتضيف بأن "الينابيع هي مورد نادر في المناطق الجافة، لكنها لا تحصل على حماية قانونية كقيمة طبيعية. لقد استولى الإنسان على المناطق المحيطة بالينابيع، وضخوا مياهها، ودمّروا بنية النبع الطبيعية وسبّبوا تلوثًا".
في كثير من الحالات، يتم تعديل بيئة الينبوع لجعله أكثر راحة للسباحة. ظاهرة "إعادة تأهيل الينابيع" وتوجيه مياهها إلى برك اصطناعية تؤدي إلى أضرار كبيرة في النظام البيئي للينبوع. غالبًا ما يتم التغيير في مصدر النبع ذاته – وهو النقطة التي تنبع منها المياه وتُعتبر ذات أهمية بيئية عالية، أما في الينابيع التي تكون فيها برك السباحة بعيدة عن النبع، مثلًا في أسفل مجرى الوادي، فهي تسبب أقل إزعاجًا للكائنات الحية التي تستخدم مياه الينبوع. مشكلة أخرى هي أن الزوار الذين يأتون إلى الينابيع في ساعات المساء يُزعجون النشاط الليلي للحيوانات التي تعيش في المنطقة. أحيانًا لا يكون الينبوع مجرد مكان للاستجمام، بل أيضًا مصدرًا للمياه بالنسبة للإنسان. قد يتعرض الينبوع للتلوث بسبب النشاط الزراعي، المصانع الصناعية، والمنازل القريبة منه. توضح سكوتلسكي بأن "العديد من البلدات الزراعية في البلاد – مثل سهل الحولة، وادي الينابيع، وحوض الكيشون – نشأت حول ينابيع". في الماضي، كان السكان والمزارعون يضخّون المياه من الينابيع باستخدام أنظمة من المضخات والأنابيب والبرك، مما عرّض الينابيع لخطر الجفاف. اليوم، تعمل سلطة المياه على تزويدهم بالمياه من مصادر بديلة مثل مياه الصرف المعالَجة أو المياه المحلّاة.
"الميزة في إسرائيل هي أن المياه حسب القانون تُعتبر موردًا عامًا مملوكًا للدولة. لذلك فتوفير البدائل 'يُحرّر' مياه النبع ويسمح ببدء الترميم الهيدرولوجي والبيئي للينبوع".
كيف يمكن ترميم ينبوع؟
نظرًا لتعدد الاستخدامات البشرية للينابيع والتي تُخل بالنظام الطبيعي، هناك حاجة لتنفيذ عملية ترميم هيدرو-إيكولوجية. هدف هذا الترميم هو ضمان عمل النظام البيئي بشكل سليم، بما في ذلك تغذية مجاري الأودية بمياه النبع، استخدامه كمصدر لمياه الشرب، وتوفير المياه للنباتات والحيوانات. تقول سكوتلسكي بأن "برامج الترميم يمكن أن تتضمّن تفكيك البرك الاصطناعية، واستبدالها ببيئة نبع طبيعية قدر الإمكان"، ويتم تنفيذ هذه العملية بمساعدة مختصين من مجالات متعددة منها متخصصة هيدرولوجية تقوم بدراسة مصادر المياه بالإضافة الى عالِم بيئة متخصص بالموائل المائية يفحص اللافقاريات والحيوانات التي تعيش في المياه وعالمة نبات تقوم بتحديد أنواع النباتات في الينبوع ومحيطه، وتخطط لاستعادة النباتات المائية.
كيف يمكننا التعرّف على ينبوع مرمّم؟
تُجيب سكوتلسكي بأن "منطقة النبع ستبدو طبيعية، مع بركة مكوّنة من حجارة وطين، وليست مبنية من الأسمنت". فعندما يكون النظام البيئي في الينبوع صحيًّا، يمكننا رؤية تنوع في النباتات التي تنمو في البيئة المائية، ويصبح الموطن الطبيعي مكانًا للعيش والتكاثر لأنواع متعددة من الحيوانات. في المياه تعيش السلطعونات، الضفادع، وخنافس الماء، وفي محيط الينبوع، ستأتي حيوانات مثل الذئاب، القنافذ، النموس، وحتى طيور مغرّدة لتشرب منه. وفي البيئة المحيطة بالمياه، لن تكون هناك تدخلات بشرية مثل جريان ماء مقطوع، رعي الماشية أو وجود أنواع غازية تضر بموطن النباتات المائية.
حتى الآن، تم إجراء مسوح تفصيلية في عدة ينابيع في البلاد، مثل عين شلوميت في رمات منشيه، عين عروبوث في ناحال ديشون، عيون سلوكيا في هضبة الجولان وعين حوقوق في غابة عميعاد في الجليل الأسفل. تُعد هذه المسوح أساسًا لعملية الترميم الهيدرو-إيكولوجية، ونتائجها تُمكّن من التخطيط الأمثل لعملية الترميم. في عين حوقوق، مثلًا، تم العثور على "إمكانية بيئية غير مستغلة" الينبوع ينبع حاليًا في منشأة اصطناعية، ولا يدعم موطنًا مائيًا أو رطبًا. تجري مياه النبع على طول طريق ترابي، وفي النهاية تُشكّل بركة في منطقة للرعي. أي أن المياه لا تُستخدم لفائدة النظام البيئي. مع ترميم مناسب، يتضمّن تغيير مجرى الوادي، وإبعاد الزوار، وإنشاء نقاط سباحة بعيدة عن النبع، وإبعاد رعي الأبقار يمكن أن تنشأ بيئة طبيعية متنوّعة وغنيّة، مدعومة بمياه الينبوع.
الحاجة إلى الموازنة بين ترميم النظام البيئي والسماح بوصول المستجمين الى الطبيعة، تُعد تحديًا مركزيًا في مشاريع الترميم. الحل غالبًا يكون كما هو الحال في عين حوقوق – تحديد منطقة مناسبة للسباحة، لكنها ليست قريبة من النبع.
تُجمِل سكوتلسكي بأنه "من جهة، يجب ترميم الينبوع وإنشاء نظام بيئي معقد. ومن جهة أخرى، لا نزال نرغب في تمكين الجمهور من الاستمتاع بالمياه".
من هنا وهناك
-
‘حقيقة المنفى بين شعر محمود درويش وفكر إدوارد سعيد‘ - بقلم : إبراهيم أبو عواد
-
‘حين تُغتال اللغة وتُغتصب القيم: صرخة في وجه الواقع‘ - بقلم: رانية مرجية
-
مقال: بدلًا من الهدم – فلنَبْنِ الأمل لأهالي السِّرّ - بقلم: عبد المطلب الأعسم
-
مقال: الأكراد وموقفهم من الانتخابات القادمة - بقلم : اسعد عبدالله عبدعلي
-
‘ العنصرية تسقط عند سرير الشفاء ‘ - بقلم: رانية مرجية
-
‘ رأي في اللغة ..5 العربية لا يحيط بها إلا نبيّ .. فقُل صَحَت وقُل أَصْحَت ‘ - بقلم: أيمن فضل عودة
-
‘الفناء في الحق عين البقاء‘ - بقلم : الشيخ محمود وتد
-
‘ بسام جابر… ذاكرة الإعلام في الداخل الفلسطيني ومهندس الصوت المجتمعي الهادئ‘ - بقلم: رانية مرجية
-
مقال: حتى نلتقي GPS - بقلم : يوسف أبو جعفر
-
‘وجهة نظر: الانتهازية والسلطة المحلية‘ - بقلم : د. حسام عازم
أرسل خبرا