مقال بعنوان : ‘حتى نلتقي – حرب ‘ - بقلم : يوسف أبو جعفر
في الحرب تصبح مهنة الكتابة صعبة، فمن الطبيعي أن يحاول الإنسان أن يُحلل، وهنا يسقط في دائرة هوايتنا في الشرق؛ نفهم ونعرف كل شيء، وخصوصًا في السياسة، ولذلك من الطبيعي أن نرتضي لأنفسنا التحليل.
يوسف أبو جعفر - صورة شخصية
وهذه، في نظري، سقطة غير مبررة؛ فقلّة هم الخبراء، وقلّة هم من يستطيعون فعلًا طرح التحليل بمنأى عن الضغوطات الرسمية وشبه الرسمية وغير الرسمية.
أما الإسقاط الثاني للحرب، فهو أنها تضعنا أمام ضعفنا الطبيعي: الخوف والقلق، وفوق ذلك كله تضعنا أمام الغموض والمجهول الذي يرتكز - في الغالب - على تحليلات وتفسيرات موجّهة من جميع الأطراف. وأخبث من عرفت: من يدّعي المعرفة والفهم، وهو في الحقيقة جاهل بهما. ومثال هذا الأخير: عشرات ومئات التعليقات والكتابات لمن لا يرتكزون على مبدأ أو فكر، هم - إن جاز التعبير - شواهد العصر على الضياع، ولا يهم أي مركز اجتماعي لهم.
الحرب، أيها السادة، قوانينها القوة، ولا شيء غير القوة. والصراعات التي نراها هنا، أتركها لمخيّلتكم. ولكن يجب أن نتذكّر أن الحروب لم تنقطع يومًا عن وجه البسيطة، ومن يتمركز اليوم على وجه العالم، كان بالأمس مقاتلًا ومحاربًا. فأمريكا وأوروبا لم تتوقفا عن الحرب في القرن الفارط، وقبلهما لم تتوقف أوروبا والدولة العثمانية، وهكذا دواليك.
المُحزن في الموضوع: أن من يعتقد أن العدل والإنصاف سيأتي دون قوة، فهو جاهل كل الجهل؛ كالذي يقف في غابة ويرى أسدًا جائعًا فيحمل لوحة تقول للأسد إنه نباتي! سيلتهم الأسد الفريسة دون النظر إلى اليافطة. لا عذر للجهل، ولا عذر لاستعمال الأعذار في غير موضعها.
الحرب تُظهر أقبح ما في عدوك، وتُظهر أجمل ما فيك، وكذلك العكس؛ لأنك أنت المقاتل، وأنت العدو. الحرب لا تسمح للعدل؛ لأن حروب العصر مبنية على صراعات البقاء والهيمنة، ولم يتغيّر في العالم شيء، فقط نحن الذين أوهمنا أنفسنا ذلك. فنيرون روما وقياصرتها ما زالوا بيننا، ربما لا يتحدّثون اللاتينية، ولكن الإنجليزية سيطرت. فلا داعي لأن نفلسف الكلمات حتى لا نعيش الوهم؛ الحرب صراع سيستمر بين المصالح والمبادئ، مع ظهور عصر النفاق والتورية والخوف، والسيطرة غير المباشرة على الناس دون نقاش.
العالم يحب مناظر الدم والقتل والتشريد، والحكام لا يأبهون بالموت ويرونه طبيعيًا. فقط أولئك الذين هم من عامة الناس، ولا يملكون التأثير، سيصرخون وينادون بالعدل والإنسانية، ودون ذلك أو فوق ذلك… لكنهم سيستمرون في الطريق، ولن يشفع لهم الحزن والألم.
لعالم مُرتَّب حول مراكز القوى، وهي لا ترحم، ولا يهمها إلا مبدأ وحيد: السيطرة على البشر. قد يتغيّر قادة العالم، وتسقط إمبراطوريات، وتقوم أخرى، ولكن ذلك لا يحدث في ليلة وضحاها. لا تقوم الثانية إلا بأن تُخلَّ الأولى بكل أسس العدل، ولا تأتي الثانية حتى تتخلص من مبادئ النفاق، وتأتي للعالم بما هو أفضل. ففاسدان لا يغيّران العالم، سيبقيان يقتسمان العالم، لكن لن يغيّراه. ومُصلح وفساد يتصارعان على العالم، ولا يكفي الصلاح دون قوة، فلذلك ستستمر الحرب، هنا وهناك، طالما هذه المنظومة البشرية هي الطريق.
وحتى نلتقي… ترددت كثيرًا قبل الكتابة هذا الأسبوع، ولكني وجدت أن البوح خيرٌ من السكوت. فلا أدري ماذا سيحدث، ولكني على يقين أن العالم مقبل على حروب لن تتوقف، وصراعات طويلة بين عقائد ومصالح وحماية عروش. سيعيش هذا القرن رجالًا ونساءً حروبًا على شاشات هواتفهم، وستصبح قلوبهم قاسية لا ترحم، وسيخرج من أرحام الموتى جيل أشد حنقًا وفتكًا في كل الأطراف، وستصبح الموسيقى الأقوى صوت المدافع والقصف.
من هنا وهناك
-
مقال: الاحتجاز الاسرائيلي لأموال المقاصة يعيق قدرة السلطة الفلسطينية ويحمل أبعاداً سياسية وأمنية خطيرة تهدد بتقويض الاستقرار الداخلي..!
-
‘في الشرق الأوسط الجديد.. الطريق إلى واشنطن تمرّ عبر الرياض‘ - بقلم : المحامي زكي كمال
-
مقال: استطلاعات الرأي- مأزق نتنتياهو ..والمخرج ! ، بقلم : د. سهيل دياب- الناصرة
-
مقال: أزمة الأخلاق بين الشرق والغرب - بقلم : وفاء شهاب الدين - مصر
-
‘ صورة البحر في السرد الروائي ‘ - بقلم : إبراهيم أبو عواد
-
‘مشاعر ولائية عابرة لحدود القوافي الخليلية‘ - بقلم : د. نضير الخزرجي
-
‘ما بين الشهادة والوظيفة… في حقيبة لازم تجهزها! ‘ - بقلم: محمد سامي محاميد
-
‘ إرجاع ينابيع المياه الى طبيعتها ‘ - بقلم: تومر عتير – زافيت
-
‘توزيع المساعدات في غزة جزء من استراتيجية إسرائيلية-أمريكية عسكرية لتسييس وعسكرة الغذاء.!‘ - بقلم : د. سهيل دياب - التاصرة
-
مقال: هل نعيش في صراع الحضارات أم في صراع الديانات ؟! بقلم : المحامي زكي كمال
أرسل خبرا