مقال: يحفظونه من أمر الله - بقلم : الشيخ عبد الله عياش
يعتقد بعض الناس أن الإسلام قد جاء ليحقق مصالح الآخرة فحسب، وهذا نظر محدودٌ وفهم قاصر لديننا العظيم الذي شهد الله له بالكمال فقال: {اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}،
تصوير: الدائرة الإعلامية - حركة الدعوة والإصلاح
فالإسلام هو دين الدنيا والآخرة، يحمل في طياته سعادة الدارين، ويحقق بشريعته مصالح الحياتين.
فالشهادتان والصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها، تعود على المسلم بالنفع في دنياه قبل أن يُثاب عليها بالجنة في أُخراه. وبيان ذلك يطول ويُخرج عن المقصود، فنُثني عنان القلم عنه، ونكتفي بقضية واحدة نحتاجها في هذه الأيام، وهي الطمأنينة والسكينة والسلام، وهي أمور يحصّلها المسلم نتيجة إيمانه بالقضاء والقدر.
والقرآن كما لا يخفى مشحون بما يرسخ ذلك، فنختار منه آية واحدة، نتناولها بالتفسير والبيان، وهي قوله تعالى: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} سورة الرعد، آية 11.
{له معقبات من بين يديه ومن خلفه}:
المعقّبات: هي الملائكة، وسميت بذلك لأنها تتعاقب على حفظ بني آدم، كما ورد في الحديث: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار)، قال ابن كثير: أي "للعبد ملائكة يتعاقبون عليه، حرس بالليل وحرس بالنهار". وقيل: {له معقبات}: يعني لله معقبات، أي: أنهم بأمر الله يعملون، وبإذن الله يتحركون.
فههنا أربعة مهدّئات:
أولًا: أن حولك من يحرسك.
ثانيًا: أن هؤلاء الحرس ملائكة كرام، قوة ويقظة وانعدام حاجات.
ثالثًا: أن المشرف على هؤلاء الحرس، ومن أوكلهم بهذه المهمة، هو رب العالمين سبحانه.
رابعًا: أنهم يتناوبون على ذلك، كما يتناوب الأطباء والممرضون.
{يحفظونه من أمر الله}:
قال ابن عطية: "يحفظونه من كل ما جرى القدر باندفاعه، فإذا جاء المقدور خلوا عنه"، وهذا بيت القصيد، وهو ما نريد. هؤلاء الحفظة يحفظونك من كل ما لم يقدره الله عليك، فكل خطر وكل ضرر وكل مرض وكل مصيبة لم يُقدّرها الله عليك، يبعدها هؤلاء الحفظة عنك.
ولعلك تستذكر هنا بعض الأحداث التي نجوت منها بأعجوبة، والأخطار التي كانت قاب قوسين منك أو أدنى، وتجدك تعبر عنها فتقول: حتى هذه اللحظة لا زلت لا أصدق كيف نجوت! ثوانٍ معدودة كانت تفصلني عن حادث سير مميت! وقع ذلك الجسم الثقيل في مكان عملي وكان يبعد عني نصف متر فقط! حدث إطلاق نار: مرّت الرصاصة من جانب رأسي! فهذا كله من مظاهر {يحفظونه من أمر الله}.
ولذلك قالوا: (نعم الحارس الأجل). كأن الموت يحميك من كل شيء يهددك، طالما لم يحن وقته، فإذا حان وقته لا يحميك منه أي شيء. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفت الصحف).
فالأجل مكتوبٌ لا يقدمه مرض ولا خطر، ولا يؤخره أمان ولا عافية. فمن حان أجله سيموت بلا مقدمات، ومن لم يحن أجله سوف ينجو ولو اجتمع عليه مَن بأقطارها، وهذه عند المؤمن فكرة ثابتة وعقيدة راسخة، لا تغيرها الصواريخ ولا المتفجرات، ولا تزعزعها الإنذارات ولا الصافرات، وفي الحديث: (ثم يُرسل إله الملك فيؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد). هذا وأنت في بطن أمك.
هذا هو الإيمان بالقضاء والقدر، وهو يعود عليك بالنفع في دنياك كما قدمنا، فيجعلك ثابتًا قويًا، متماسكًا صلبًا، في مثل هذه الظروف: قال صلى الله عليه وسلم: "الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ. احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ، وإنْ أَصَابَكَ شَيءٌ، فلا تَقُلْ: لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَما شَاءَ فَعَلَ؛ فإنَّ (لو) تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ".
وهذا لا يعني -حتى لا يُفهم الكلام على غير وجهه- أن نركب الأخطار أو نتعرض للأضرار بحجة أن كل شيء مكتوب، ولكن علينا أن نأخذ بأسباب النجاة ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا، فقد قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنو خذوا حذركم}، فالمؤمن كما قيل: يأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم يتوكل على الله وكأنها لا شيء.
من هنا وهناك
-
مقال: الناصرة تختنق… والناس تنتظر موقفًا وتحركًا مسؤولًا من البلدية - بقلم : منير قبطي
-
‘أن تكون مثقفًا يعني أن تشجّع غيرك وتدعمه‘ - بقلم: رانية مرجية
-
مقال بعنوان : ‘حتى نلتقي – حرب ‘ - بقلم : يوسف أبو جعفر
-
المحامي زكي كمال يكتب: بحثًا عن النصر المطلق في طهران
-
‘تاقت إليك عجافٌ أنت يوسفها‘ - بقلم: الشيخ محمود وتد
-
هل تتعلم الأحزاب العربية من لعنة الانقسام؟ بقلم: رانية مرجية
-
‘ حتى نلتقي – تخطيط قلب ‘ - بقلم : يوسف أبو جعفر
-
مقال: لوس انجلوس تشتغل وترمب يرسل الحرس الوطني ، هل تتمرد كاليفورنيا على الحكومة الفدرالية ؟ بقلم : د. حسين الديك
-
مقال: من يفهم الحقيقة لا يُصاب بخيبة أمل! بقلم : المحامي زكي كمال
-
مقال: أحمد الطيبي .. الطبيب الذي أصرّ أن يبقى قلبه في فلسطين ولسانه في وجه الظالمين - بقلم: رانية مرجية
أرسل خبرا